ثمن استعادة مكانة أمريكا العالمية؟
أوباما يلقي بتعويذة سَحَرَ بها الأجانب.. لكن (مهلا وحذار) فإن ذلك قد لا يدوم
في الوقت الذي تبدو فيه الولايات المتحدة مبتهجة وسعيدة برئيسها المنتخب، فإن الإثارة في الخارج تستعر بشكل أكبر، فقد قال باراك أوباما إنه يريد أن يصلح المكانة الأمريكية في العالم، ونقاد جورج دابليو بوش الأجانب يهتزون طرباً إزاء ذلك التصور، لكن قد يكون من غير الحكمة اعتبار الأمر مسلماً به، بأن المشاعر لدى أي من الجانبين سوف تبقى بمثل هذا الحماس لفترة طويلة.
التصرف والأسلوب مهمان في هذه الأمور، وهنا يملك أوباما ميزة عفوية على سلفه، وبوش، بطبائعه التكساسية الريائية التبجحية السوقية، كان كفيلاً به دائماً أن يصب جام غضبه على الأجنبي الميال إلى أن يكون مناهضاً لأمريكا، في المقام الأول.
أوباما الذي يشكل أوضح نقيض ممكن، يتلاءم مع طبيعة مواطن العالم، فهو في الحقيقة يعد من قبل كثير من الأجانب الذين يكرهون بوش، غريبا في وطنه، وهو يصدمهم أكثر بكونه شخصاً متجانساً روحاً وطباعاً.
وتجدر إضافة أنه في عهد بوش، فإن الاحترام الدولي للولايات المتحدة عانى، وخصوصاً بين المثقفين، وهم مجموعة حساسة بشكل خاص إزاء الجرأة الأمريكية الشديدة بأنها تمتلك القوة والميزة المتفوقتين، وازدراء الرئيس المنصرف لهم كان أكثر من شعور متبادل جداً، ومرة أخرى فإن أوباما هو العلاج، فهو نفسه رجل مثقف، وأكثر من أي رئيس أمريكي آخر في العصر الحديث، يتحدث كرجل مثقف.
وكل هذا شيء ممتاز، لكن السياسة الخارجية في نهاية الأمر، تتعلق في معظم الأحيان، بالمصالح وليس بالتصرف الدبلوماسي، وعموماً فإن أوباما يملك إحساساً واعياً للفرص أمام التعاون الدولي، أكثر مما كان لدى بوش، ففي مجالات مثل التغير المناخي – وهي قضية يأخذها على محمل الجد ـ فإن وجود قدرة طبيعية للعمل المشترك قد يقدم نتائج حقيقية، لكن التأييد الضعيف من جانب أوباما للتجارة المتحررة، يشكل استثناء مزعجاً.
وفي مجالات تسيطر عليها السياسة الوطنية، حيث يمكن أن يكون التعاون عبر الحدود أقل إثارة للخلاف، فإن أوباما أقرب في تفكيره بالمشاعر في الخارج مما كان بوش، فهو، على سبيل المثال، يدرك الأذى الذي ألحقه خليج غوانتانامو ومعاملة الإرهابيين المشبوهين، بسمعة بلاده في الخارج. ووفقاً لوقائع الحالة الموضوعية دون تأثر بالعواطف الشخصية، ومن الاهتمام دون أي شك بالرأي الجيد للدول الأخرى، فإن تلك السياسات سوف تتغير، وهو شيء كان يتوجب منذ زمن طويل، والولايات المتحدة سوف تطرح أهدافها وتحظى في الوقت ذاته باحترام وتقدير أكبر.
لكن مصالح الولايات المتحدة والدول الأخرى ليست دائماً متوافقة كثيراً، فالأوروبيون المفتونون الذين يتوقعون من أوباما أن يخضع المصالح الأمريكية لفكرتهم عن المصلحة العامة العالمية - إذا وجد أنها متضاربة - سوف يصابون بخيبة الأمل.
وعبر سلسلة من القضايا سيكون هنالك مصدر مستمر للنزاع، وهو المشاركة في تحمل الأعباء.
وسياسات بوش حول الاحتباس الحراري العالمي وحول العراق، وحول محكمة الجنايات الدولية وحول أمور أخرى، قد وضعته في خلاف مع كثير من بلدان العالم وشوهت سمعة القيادة الأمريكية، لكن الحقيقة تظل بأن أوروبا وبقية العالم ما زالت تتوقع من الولايات المتحدة أن تقود العالم، ومن المؤكد أنها غير راغبة وغير قادرة على القيادة وهي في وضعها، فعندما يطلب من الولايات المتحدة أن تتولى المسؤولية فإن الأمور تميل لأن تحدث، خيراً أو شراً، وحين تفشل أمريكا في ذلك، فإن التراخي الشديد عن العمل هو القاعدة.
وما لا يمكن إنكاره أن بوش قد علم أمريكا درساً حول حدود قوتها الأحادية الصلبة، والولايات المتحدة تحتاج إلى حلفاء، وإن لم يكونوا حلفاء، ليكونوا على الأقل أصدقاء، وهذا يعني الالتقاء مع شركاء محتملين في نصف الطريق.
لكن على أوروبا ألا تتوقع من الولايات المتحدة تحمل العبء الكامل للقيادة، بينما لا تتمتع بأي من امتيازاتها، فإذا كانت أوروبا تريد رأياً مساوياً في التعاون من أجل الأمن العالمي، على سبيل المثال، فإن عليها أن تقدم التزاماً مساوياً بالموارد العسكرية.
إن إعادة الولايات المتحدة إلى مكانتها الصائبة في العالم، تتطلب تغييرات في كلا الجانبين، وإذا أدى أوباما دوره، فإن على الحكومات أن تتحمل من جانبها أدوارها أيضاً، فالتعاون يعمل في اتجاهين، وإلا فإنه لا يعمل أبداً.
ثمن استعادة مكانة أمريكا العالمية؟
شكرا
أوباما يلقي بتعويذة سَحَرَ بها الأجانب.. لكن (مهلا وحذار) فإن ذلك قد لا يدوم
في الوقت الذي تبدو فيه الولايات المتحدة مبتهجة وسعيدة برئيسها المنتخب، فإن الإثارة في الخارج تستعر بشكل أكبر، فقد قال باراك أوباما إنه يريد أن يصلح المكانة الأمريكية في العالم، ونقاد جورج دابليو بوش الأجانب يهتزون طرباً إزاء ذلك التصور، لكن قد يكون من غير الحكمة اعتبار الأمر مسلماً به، بأن المشاعر لدى أي من الجانبين سوف تبقى بمثل هذا الحماس لفترة طويلة.
التصرف والأسلوب مهمان في هذه الأمور، وهنا يملك أوباما ميزة عفوية على سلفه، وبوش، بطبائعه التكساسية الريائية التبجحية السوقية، كان كفيلاً به دائماً أن يصب جام غضبه على الأجنبي الميال إلى أن يكون مناهضاً لأمريكا، في المقام الأول.
أوباما الذي يشكل أوضح نقيض ممكن، يتلاءم مع طبيعة مواطن العالم، فهو في الحقيقة يعد من قبل كثير من الأجانب الذين يكرهون بوش، غريبا في وطنه، وهو يصدمهم أكثر بكونه شخصاً متجانساً روحاً وطباعاً.
وتجدر إضافة أنه في عهد بوش، فإن الاحترام الدولي للولايات المتحدة عانى، وخصوصاً بين المثقفين، وهم مجموعة حساسة بشكل خاص إزاء الجرأة الأمريكية الشديدة بأنها تمتلك القوة والميزة المتفوقتين، وازدراء الرئيس المنصرف لهم كان أكثر من شعور متبادل جداً، ومرة أخرى فإن أوباما هو العلاج، فهو نفسه رجل مثقف، وأكثر من أي رئيس أمريكي آخر في العصر الحديث، يتحدث كرجل مثقف.
وكل هذا شيء ممتاز، لكن السياسة الخارجية في نهاية الأمر، تتعلق في معظم الأحيان، بالمصالح وليس بالتصرف الدبلوماسي، وعموماً فإن أوباما يملك إحساساً واعياً للفرص أمام التعاون الدولي، أكثر مما كان لدى بوش، ففي مجالات مثل التغير المناخي – وهي قضية يأخذها على محمل الجد ـ فإن وجود قدرة طبيعية للعمل المشترك قد يقدم نتائج حقيقية، لكن التأييد الضعيف من جانب أوباما للتجارة المتحررة، يشكل استثناء مزعجاً.
وفي مجالات تسيطر عليها السياسة الوطنية، حيث يمكن أن يكون التعاون عبر الحدود أقل إثارة للخلاف، فإن أوباما أقرب في تفكيره بالمشاعر في الخارج مما كان بوش، فهو، على سبيل المثال، يدرك الأذى الذي ألحقه خليج غوانتانامو ومعاملة الإرهابيين المشبوهين، بسمعة بلاده في الخارج. ووفقاً لوقائع الحالة الموضوعية دون تأثر بالعواطف الشخصية، ومن الاهتمام دون أي شك بالرأي الجيد للدول الأخرى، فإن تلك السياسات سوف تتغير، وهو شيء كان يتوجب منذ زمن طويل، والولايات المتحدة سوف تطرح أهدافها وتحظى في الوقت ذاته باحترام وتقدير أكبر.
لكن مصالح الولايات المتحدة والدول الأخرى ليست دائماً متوافقة كثيراً، فالأوروبيون المفتونون الذين يتوقعون من أوباما أن يخضع المصالح الأمريكية لفكرتهم عن المصلحة العامة العالمية - إذا وجد أنها متضاربة - سوف يصابون بخيبة الأمل.
وعبر سلسلة من القضايا سيكون هنالك مصدر مستمر للنزاع، وهو المشاركة في تحمل الأعباء.
وسياسات بوش حول الاحتباس الحراري العالمي وحول العراق، وحول محكمة الجنايات الدولية وحول أمور أخرى، قد وضعته في خلاف مع كثير من بلدان العالم وشوهت سمعة القيادة الأمريكية، لكن الحقيقة تظل بأن أوروبا وبقية العالم ما زالت تتوقع من الولايات المتحدة أن تقود العالم، ومن المؤكد أنها غير راغبة وغير قادرة على القيادة وهي في وضعها، فعندما يطلب من الولايات المتحدة أن تتولى المسؤولية فإن الأمور تميل لأن تحدث، خيراً أو شراً، وحين تفشل أمريكا في ذلك، فإن التراخي الشديد عن العمل هو القاعدة.
وما لا يمكن إنكاره أن بوش قد علم أمريكا درساً حول حدود قوتها الأحادية الصلبة، والولايات المتحدة تحتاج إلى حلفاء، وإن لم يكونوا حلفاء، ليكونوا على الأقل أصدقاء، وهذا يعني الالتقاء مع شركاء محتملين في نصف الطريق.
لكن على أوروبا ألا تتوقع من الولايات المتحدة تحمل العبء الكامل للقيادة، بينما لا تتمتع بأي من امتيازاتها، فإذا كانت أوروبا تريد رأياً مساوياً في التعاون من أجل الأمن العالمي، على سبيل المثال، فإن عليها أن تقدم التزاماً مساوياً بالموارد العسكرية.
إن إعادة الولايات المتحدة إلى مكانتها الصائبة في العالم، تتطلب تغييرات في كلا الجانبين، وإذا أدى أوباما دوره، فإن على الحكومات أن تتحمل من جانبها أدوارها أيضاً، فالتعاون يعمل في اتجاهين، وإلا فإنه لا يعمل أبداً.
ثمن استعادة مكانة أمريكا العالمية؟
شكرا
عدل سابقا من قبل ayachi في الأربعاء 25 مارس - 16:18:53 عدل 1 مرات